الصورة: مهدي شبيل
ينظر الناشطون والمتعاطفون مع المهاجرين في مرتفعات "لاروايا" على الحدود الفرنسية الإيطالية إلى الكاهن فرانسوا كزافيي أسو بإعجاب كبير. وأسو دخل في حالة شد وجذب مع المسؤولين الدينين والسياسيين المحليين لأجل ضمان المساعدة للمهاجرين.
بذاكرة متقدة رغم سنه المتقدم، يسرد الكاهن المتقاعد فرانسوا كزافيي أسو، 76 عاما، بالكثير من الألم قصة سعيه الدائم إلى استضافة مهاجرين تقطعت بهم السبل في أدغال "لاروايا"، وما لاقاه من رفض من قبل رئيس بلدية القرية والقيمين على الكنيسة في المنطقة.
في "مقهى الرياضات" بوسط قرية "تاند" في جبال "لاروايا" على الحدود الفرنسية الإيطالية، يحكى أسو وهو يحتسي كوب حليب بالشوكولاتة، قصة صراعه مع البلدية والمسؤولين الدينيين المحليين للترخيص له باستخدام مبنى تابع للكنيسة لإيواء مهاجرين.
"لا يعني أن الكنيسة ضد استقبال المهاجرين، وتوجيهات البابا بهذا الخصوص كانت واضحة"، يؤكد الكاهن قبل أن يتابع أن المسؤولين الدينيين في المنطقة "خضعوا لضغوطات السياسيين"، مدينا "الحماقات التي يرتكبها هؤلاء في جهل تام لتاريخ المنطقة التي ظلت دائما معبرا للمهاجرين" على حد تعبيره.
في 12 نوفمبر/ تشرين الثاني حاول أسو فتح أبواب الكنيسة في وجه المهاجرين، إلا أن محاولته باءت بالفشل بعد أن طوقت قوات الدرك المكان ومنعته من الدخول. كما تم تغيير قفل بناية تابعة للكنيسة كان من المفترض أن تستخدم لتخزين الأغطية المخصصة للمهاجرين.
ورغم أنه كاهن متقاعد، فهو يساعد باستمرار زميله في أداء مهامه، إلا أنه اضطر في آخر المطاف لتسليم مفاتيح الكنيسة إلى المسؤولين الدينين، عندما واجهوا محاولاته استقبال المهاجرين بالرفض. "هذا التصرف دفعني لقطع علاقتي مع المطران وتسليمه جميع مفاتيح الكنيسة التي بحوزتي"، يقول الكاهن بمرارة.
بدا أسو متأثرا جدا بما حصل. توقف لمرات عديدة أثناء حديثه ليلتقط أنفاسه ويستأنف الحديث. "اعذروني الموضوع يشدني كثيرا وأنا متعب جدا، لقد أصبت بالاكتئاب"، يقول الكاهن وهو يكفكف دمعتين انهمرتا من عينيه.
يرتسم الألم على محياه وهو يتحدث عن معاناة المهاجرين. يرى أسو أنهم "وجدوا أنفسهم في مواجهة اتفاقية دبلن"، معيبا على السياسيين الطريقة التي تتم بها معالجة أزمة المهاجرين، قبل أن يبستم قائلا "كان على هؤلاء السياسيين أن يعينوني كمستشار لهم".
مرتفعات "لاروايا" لا تضم فقط المتعاطفين مع المهاجرين، بل هناك سكان ومسؤولون لهم رأي آخر حول الملف. ولا يخفي أسو أنه تعرض لتهديدات من قبل رئيس بلدية بلدة "تاند" جراء ما يقوم به من أجل المهاجرين. كما توصل برسالة مجهولة المصدر وصفه فيها صاحبها، هو وسيدريك هيرو المعروف في المنطقة باستقباله للمهاجرين، بـ"الأبلهين".
بالنسبة له، ليس بالضرورة أن تؤمن بعقيدة معينة حتى تعمل على حماية المهاجرين، فهو يعمل مع نشطاء آخرين ليس لهم أيه علاقة بالكنسية ويتقاسم معهم "الهم الإنساني"، إذ ينشط في الوقت الحالي إلى جانب أفراد جمعية "لاروايا سيتوايان" في تحضير الأطعمة التي تقدم للمهاجرين.
ويؤكد بنوع من الأسف أن المنطقة تعيش "حصارا أمنيا" من كل الجوانب. لكن هذا لا يمنعه من استقبال المهاجرين في بيته إن فرضت الضرورة ذلك، حيث سبق له أن استضاف مهاجرين في بيته الصغير لبضعة أيام، كما استقبل كاميرونيا يوما كاملا قبل أن يحيله على شخص آخر معروف بالمنطقة بفتح أبواب منزله الكبير للمهاجرين.